الخميس، 29 سبتمبر 2011

ولا أنســى..!

 
رماديةٌ لطّخت الأفق..
من خلف تلك المسطحة الزجاجية..
وأعمدةٌ صلبة متوازية.. تمنحك شعورًا غامرًا أنّك أضحيت تسكن سجنًا أبديًا..
وخلف الأفقِ باتت الرؤية متعسرة..
فامتزجت خضرةُ الأغصانِ بسوادٍ كئيب المنظر..
واستحالت رؤية ما وراءه..

صباحٌ ضيّقَ تلك الشُعبِ من هواءٍ عليل..
ومارةٌ يُسرعون الخُطى لتحاشي ما يحويه من دقائق تُضعفهم وهم أولو القوة..

وأنا.. أُحادثني ببرود..
أبحثُ عن صيغةٍ للحوار أشرعُ فيه.. وأُجدفُ به قاربي المهترئ..
أتدري..
لم أنسَ ما قلته لي ذلك اليوم وأنتَ تُلبسني عقدكَ الذهبي وتبثُّ في أُذني أنفاسك..
بأننا.. سنولدُ من رحم البلاء أكثرَ قوة..
وبأننا.. سنرضعُ الأملَ من أحضان الخوف..
وبأن الوقت سيحين بلا شك.. حينَ نُقرر فيه أن نمضي.. نمضي.. ونتخلى عن أنانية خسارة ما نعلمُ أنّه لن يكون لنا..

ولكنني مُذ أخبرتني بسرك الكبير.. وأنا أزداد مع الأيامِ وهنًا..
والخوفُ باتَ يُعشعشُ في الأعماق من الآتِ مرتعدًا..
أيا آتٍ لا تأتِ..
وأنني.. على ذلك العهدِ ما زلتُ لا أفلتهُ.. أتعلق بأطرافه.. لا أتركه..
خيالٌ سحيقٌ.. لأزهاريَ المتطايرة من سلّتي القشيّة..
وأنني.. لا زلتُ أرقبُ ذلك الوقت الذي أخبرتني عنه.. أصلي وأدعو .. 

أيا آتٍ لا تأتِ..

قد قلتَ بثقةٍ لي أننا ننسى.. وننسى.. وننسى..
فلماذا أجبني.. لماذا أحفظُ في ذهني كل ما قلت..
وأذكرُ في خبايا نفسي كلّ ذكرى..
وأطبعُ على قلبي كلّ أثر..

علَّمتني طفلةً لا تُجيدُ الكلام..
وإنّي حينَ نطقتُ..
كذّبتُ قولكَ..
وسرتُ..

أحتفظ بعقدك المتدلي على عنقي..
أحفُّ أطرافه الحادة بقوةٍ حيث يستقرُ حتى يتمزق جسدي..
ولا أنسى..

كذبتَ حينَ قلتَ أن القلب الذي أحبَّهم يومًا ما ينسى..
كذبتَ حينَ قلتَ بعد أن يرحلوا.. بعد أن ترحل أنتَ سأنسى..
كذبتَ حين قلتَ أن الوقت كفيلٌ بكل بشيءِ وأنني يومًا ما أنسى..

هناك في الخارج.. ما زال الضباب يملأُ الكون..
يشوهه..
أُغلقُ نافذتي بهدوءٍ..
أمسحُ آثار الدماءِ عن عنقي.. 

ابتلعُ الغصةَ بسكونٍ..
ولا أنسى..

الخميس، 14 يوليو 2011

مفترق الطريق..!

حيث هناك.. وقت الغروب
على مفترق الطرق، كان قدرًا حاتمًا أن أمضي من طريقٍ لن تمشيَ فيه..
رغم محاولاتي العاثرة في التلكؤ في المسير.. كانت هناك دفعةٌ عجيبةُ القوة تأتي غدرًا من الوراء..
تدفعني للركض بضع خطوات بعكس اتجاه أقدامي..
ويدٌ أخرى توقفني عنوة رغم رغبتي بالالتصاق بالأرضية الباردة هناك..

لم أكن ببساطة أرغب بخطوةٍ ضئيلة للأمام..

لكنها الحياة.. عجيبةٌ بمقاديرها..
تدفعك للأمام حينَ لا ترغبُ بالمسير..
وتسقطكَ في العمق السحيق حين تكون شعلةً تصّعّدُ للسماء..

وهناك.. حيثُ كان اللقاء الأخير..
أبقيتُ أصابعي الباردة متشبثة بأيديك على أمل ألّا أمضي..
وألّا تمضي..
على أملِ أن تتغيّر دفةُ أحدنا للوجهة الأخرى..
لكنها كانت قوةً غريبة.. تلك التي انتزعت أصابعي منك.. حتى شعرتُ بأنها تتحطم..
وحلّت مكان يداك الدافئتين.. أغلال صلبة.. جذبتني بعيدًا عنك..
فشعرتُ بأوصالي تتمزق وأنا أُسحب خائرةَ القوى.. لا أستطيع مجاراة ما يجتذبني..

على عتبات مفترق الطريق..
هناك..
بكيتُ..
.... صرختُ..
....... دون أن يسمعني أحد..
............ دون أن يلتفتَ إليّ أحد..
................... ودون أن أُســمِعَ أحد..
وحدها عيناك المحمرّتان كانتا آخر ما أراه..
وحيثُ يدفعني المسير.. حال بيننا ضبابٌ كثيف..
فلم أعّد أرى منكَ أثر.. أو أسمعَ لك خبر..

ووسط دموعي الحارقة..
والعتمة التي أحاطتني..
لم أُبصر سوى لمعانٍ بين أصابعي حيث أنار خاتمك المكان..

على مفترق الطريق..
في ذلك اليوم..
ومنذ أعوام..
لا زلتُ أذكرُ اللقاء..

على مفترق الطريق..
لم أحظى إلا ببقايا ذكريات أقتاتُ عليها لأكمل المسير..
وخاتمٌ التحم بإصبعي حتى صار جزءًا منه يميزهُ حجمٌ أصغر من إخوته..

على مفترق الطريق..
بدأنا..
وانتهينا..
وأكملنا المسير..

..~

الثلاثاء، 15 فبراير 2011

فَــــقْـــدُ }}



فَـقَـدَ:  أي خسرَ شيئًا كان له أو عنده ذات يوم!
ببساطة العربية، وبتعقيدها
وباصطفاف الحروف غير آبهةٍ بما نشعرهُ

هو الفقدُ
استجداءُ بعيدٍ لن يأتي
رحيلٌ لما وراء البحار
أو أمامها
الأمر سيّان
فبعد الآن، لن تبصرَ ما فقدته العينان

هو الفقدُ
أروقةُ أعماقنا أغلقتِ لأجله المعابر
ليصبح مرور القطارات أمرًا نادرًا
لا مِن صوتٍ يصدر أثناء مرورها
واحتكاكات سككها لم يحرك بنا المشاعر

لكأنّ الطرقات من بعدهم أضحت دهاليز مغلقة
غطّت أعقاب السجائر الأرضية كلها

وهواء المكان خسِرَ نقاءه
ولون سمائه خسرَ زرقته
وتلطّخ من بعدهم برماديةٍ قاتلة

هو الفقدُ 
فمذ رحلوا
لم يتغيّر شيءٌ ها هنا
لم يتحرك شيء
لم يختلف ركن
آثار بصماتهم ما تزال مطبوعةٌ على كل قطعة
وأكوام الغبار التي احتلّت كل حيّز
نخشى نفضها فنزيل معها بقايا كلّ أثرٍ تركوه

ايهٍ أيها الفقدُ
أخذتهم بقضاء
لم تغِبْ لعدّة لحظاتٍ صورتهم من مخيلتنا
وصوتُنا بأنينٍ صارخٍ لم يسمعه إلّانا
خلا ملامحنا المرتسمةُ بآثارِ الشحوبِ يُعرِّفها المارةُ من حولنا
وبقايا شعرٍ على رؤسنا مضرّجٌ بسواد

أشبتنا أيها الفقدُ
وحرّكت من بينِ الضلوع هلع اللحاق
أنتَ المجهول أيُّها الفقد
المنسيُّ المحذور