الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

~|| فأصبحتُ سجينة تلك المدينة..

كتابة قديمةٌ نسبيًا.. ولكنها ترقى لذائقتي دومًا حتى حفظتُ حروفها لا أدري لماذا..


في جوف المتاهة.. ما بين النهاية المفتوحة تارةً.. والطريق المسدود.. تارةً أخرى..
نحاول الخروج بأيَّة وسيلة.. والتخلص من المأزق..
وبين الأزقة الخاوية.. في أكثر الأماكن هدوءاً.. حيث لا صوت.. ولا صدى..
لا نسمع ... سوى مجادلة الريح لزجاج النوافذ المحطم..
ولا نرى إلا ركام الغبار والغبار.. الذي ملأ زوايا المكان..

في مدينة الأشباح.. حيث يكمن الخوف والضياع..
تُحدِّق أمام أعيننا أشكالهم..
أينما توجهنا ... وجدناهم ...
كيفما التفتنا.. رأيناهم..

وتدور دوامة الذكريات.. تدور وتدور.. دونما توقف..
ومع القرص الذهبي المختبئ وراء الغيوم الكثيفة .. تنكشف الحقيقة..
لقد جار الزمان على هذا المكان..
ما عاد فيه غير الأوراق الجافة.. والذكريات الأليمة.. التي سطرتها جدرانه..
لكنَّ عبقَ الأحبَّة.. لا يزال موجودًا..
هدير صوتهم.. لا يزال يكشف الشك الذي في قلوبنا.. في أعماقنا..

ويدقُّ ناقوس الأحزان.. فيعلن حالة الطوارئ..
يتعالى الضجيج .. وتختلط الأصوات..
 نسمَعُ تارةً الصيحات.. من ثمًّ الهمسات..
وفجأة..
يتوقف الناقوس.. تسكن العاصفة .. تهدأ الريح ..
يختفي كل شئٍ كان.. ليعود الطائر المهاجر إلى عشِّه..
لا يبقى.. سوى غصَّة في الحلق.. ودمعةٍ لا تجف..
لكنَّ المصيبة.. أنها لا تستطيع النزول لتُهَدِّأ النفس.. تظلُّ في أعيننا حبيسة ..
تحرق الفؤاد.. جادةً النأي عن ترس الأحقاد..
ولكنها.. وبالرغم من كل شئ.. تبقى أسيرة.. أسيرة..
تظل سجينة تلك المدينة..
تظلُّ سجينة الأوهام.. الأوهام..
..~

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

●. شتاءٌ، مسرحية، وحبرٌ متناثر .●




رنّ المنبه في وقته تمامًا..
لكني كنتُ قد استيقظتُ قبله بساعات..

كلُّ شيٍ كان طبيعيًا اليوم..
عدا الانقطاع الجزئي في الماء في بعض ردهات المنزل..
كان الأمر مزعجًا قليلًا.. لكن ما لبث أن عادت كل الأمور لمجراها..

كلُّ شيٍ كان طبيعيًا اليوم..
ساعةُ يدي في مكانها الدائم، وخُفي الورديُّ بجانب سريري..

لكني أعلمُ أنّ رسائلي لن تصل وجهتها أبدًا..
رغم ذلك.. قررتُ أن أمضي في كتابتها..

ليس من أجله، بل من أجلي..
على الأقل في الوقت الحالي..

من حقي أن أحزن، من حقي أن أبكي..
من حقي أن تمتلىء عينيّ بالدموع..

كلُّ شيٍ كان طبيعيًا اليوم..
عدا البرودة التي أيقظتني..
والصداعُ في رأسي..
والألمُ في ركبتي..
ورغبتي في النوم أكثر..!

كلُّ شيٍ كان طبيعيًا اليوم..
فالجميع لا ينفكُّ بإخباري بأنني قوية..

مع الأيام،اكتشفتُ بأنّي ممثلة بارعة..
ولكن، ما الضيرُ في ذلك؟
فالحياةُ بأكملها مسرحية، يؤدي فيها الجميع دوره بكل إتقانٍ
وبالتزامٍ تامٍ بالأسطر، ووقفًا لنصه بحذافيره..
لذا، لم أحزن أو أتأثر لأنني ممثلة بارعة..
فكلنا في النهاية.. ممثلون!

:

أحيانًا أشعرُ أنّ ما بداخلي خواء
فأبجثُ بجنونٍ عن بعض لحظاتي الثمينة..
وأعصرُ ذاكرتي بحثًا عن اللحظات التذكارية على خشبة مسرحي..
أو أبحث بأي مكانٍ قد أجدُ به شيئًا، أيّ شيء..
لا يُهم.. ما الشيء.. ما الفارق؟

لا شيء..~

بالتأكيد ليس هنالك فارق..
لأنني في اللحظة التي أكونُ فيه بطل روايتي ومحورها..
أكون فصلًا أو بضعة أسطرٍ في صفحة رواية أخرى..
قرر صاحبُها أن يطويني..
ولكن.. ولسبب ما..
أجدني أعجزُ عن طيّ صفحتي..
فأبقي في هذا الفصل من روايتي..
لستُ أستطيع المضيّ قدمًا..
ولا كتابة فصلٍ جديد..
فأكتب على ذات الصفحة..
أصرفُ الألوان عليها ببذخٍ حتى تختلط معًا..
فتصبح كلوحة عشوائية..
خطوط متخبّطة..
لا أقدرُ على قراءة شيء منها..
أحاول فكّ الحروف..
حتى يصيبَ عيناي الرمد..


ولكن..
من حقي أن أحزن.. من حقي أن أبكي..
من حقي أن آخذ عهدًا على نفسي ألا أخون أحد..
فلا بأس لأنني لم أخن إلا.. نفسي!

لقد عاد الشتاءُ بالأمس..
الشتاء الذي كنتُ به دائمًا وحيدة..
ويبدو أنّه أستأثر بي وحده، لأكون به دومًا وحيدة..

الوحدة..
أوليست شعورًا خاصًا بنا؟
ليس حولنا من يصنعه، ولكن..
نحنُ من نبني جُدرهُ من حولنا..
لذا حتى وإن استمرت الوحدة في تلك الغرفة الضيّقة بصفعنا ذات اليمين والشمال..
لا بأس..
لأنّها ستحافظُ على دفئ خدودنا..
دفئٌ غامر..

قد ندفأ في بعض لحظات حياتنا..
ولكن لا بُدَ للحظات البرودة أن تتسلل إلينا في النهاية..
برودة؟
تذكرت.. لقد قام أخي بفتح بنوافذ غرفتي لأجل أن يتجدد هوائها الراكد..
فقمتُ لإغلاقها بتلقائية..


كلُّ شيٍ كان طبيعيًا اليوم..
من حقي أن أحزن.. من حقي أن أبكي..
من حقي أن أكتب رسائلي التي لن تصل أحدًا..
من حقي أن أُجنّ.. ومن حقي أن أعيشَ جنوني..

كلُّ شيٍ كان طبيعيًا اليوم..
عدا أنني لم أكن نفسي..
عدا أنني كنتُ شخصًا ثانٍ..

..~

الجمعة، 24 سبتمبر 2010

تتداعى عليكم الأمم

بسم الله الرحمن الرحيم 

لم أظن يومًا وأنا في الابتدائية أتعلمُ في المدرسة عن سيرة المصطفى الحبيب.. صلى الله عليه وسلم.. ودينه الكامل.. وقرآنه الطاهر.. والصحابة الغر الميامين.. وأنا اقرأ عن بطولاتٍ وتحدياتٍ ودينٍ قد انتصر وظهر..
لم أظن وقتها أبدًا.. أنني سأعيشُ لأرى اليوم الذي تتكالب علينا به الأمم من كل حدبٍ وصوب.. حتى من أمم تسمّت بالإسلام.. حتى أصبحوا أناسًا لم يحملو من ديننا إلا الاسم في وثائقهم الرسمية.. اسمًا من بضع أحرفٍ فقط!.. 

لم يتخيّل عقلي الصغير بالرغم من مخيلته الهائلة وقتها أنني سأعيش لأرى أحدهم يتعهد بحرق وإهانة قرآننا الكريم أمام العالم أجمعْ، القرآن الكريم.. الذي لا تسمح لنا المعلمة بإمساكه إلا ونحن طاهرون.. القرآن الذي تبسمُ أمي كلما حفظتُ منه صفحةً جديدة.. ويكافؤني والدي على إتقان لفظه بصورة أفضل..نعم أمام العالم الذي أقسم على ضيمنا.. سواء أكان من بعيدٍ يتجهمنا.. أم من قريبٍ تسلّم أمرنا.. 
وبحرقةٍ نردد.. حسبُنا الله ونعم الوكيل! 

لم أردْ أن أعيش لأشهد العالم يتهمنا بجرمٍ ما اقترفناه.. 
إسلامُنا.. دين السلام.. واسمه تعالى السلام.. ورسوله من حمل رسالة السلام 
إسلامنا يُهاجم من كل حدبٍ وصوب.. وصرنا كقصعةٍ تتهجم علينا الأكلة وإن كانت من لحمنا!!

نعمْ.. هذا ما حدث حقًا أيا قلبي.. هذه ما تكذبه عيناي رغم رؤيتي له.. 
ومن دون تكلف بتصرفٍ حاولتُ إيصال صوتي إليهم.. فكنتُ كلما دخلت بينهم.. أجد المزيد من الكره والحقد والظلم ينهالُ عليّ لأجل ما أؤمنُ به!.. 

رباه.. 
لستُ أريدُ البكاء.. ولكن إن لم تجعل نصرة الإسلام بأيدينا.. فاستبدلنا بقومٍ لا يكونوا أمثالنا.. لا يرضوْن الضيم لدينا.. دون أن يحل غضبك علينا.. 

نعم يا قلبُ.. الدين الذي عرفته بكل صفاته الكاملة.. يُهاجَمُ بما ليس فيه، بما هو منه براء.. لتعيش أيا قلبُ في عالمٍ ثمل بالأكاذيب.. وأضحى الجميع غارقون في سكرته.. إلا من رحم ربي.. 

المشكلة تكمنُ أننا لا نصلُ إليهم.. ذلك الأحمق الذي حاول حرق القرآن.. اعترف أنّه لم يقرأه أبدًا! فكيف له أن يطلق حكمًا كهذا عليه، بل كيف يرغبُ بالتعدي على شيء لم يعرفه أصلًا؟! 
أولئك الذين يكرهوننا لايعلمون عنّا شيئًا.. 
ونحن في غفلتنا.. ســــــــاهون! 

انشغلنا في انحطاط فاجع في إعلامنا الفاشل.. فتجد قنواتنا الفاشلة تتسابق في عرض الرذيلة في شهر الفضيلة.. 
ما بين علاقات محرّمة زينوها لتظهر بريئة! 
وما بين دعاوي الشيطان الذي ترك من بعد تصفيده، شياطين!! 
وتجدنا ننسبُ للإسلام والمتدينين صفات الكفرة الفجرة.. ونجعل من السكيّر بطلًا!! بطلًا قد أُغدق عزًا وشرفًا!! 

تكالبنا حتى على أنفسنا!! .. فصار الدين والمتدين الخطأ الذي يجب قتله! .. وإن كان بسهامنا!! بخٍ بخٍ يا إعلامنا!!

وأشدُ ما يُضحك حدّ البكاء.. هو تجرؤ علماء يتسمّون بالإسلام على صحابة المصطفى.. والمبرأة من السماء..
لم يعلم وهو عالم قومه الجاهل.. أن الإساءة لن تصل الموتى.. وإنما سترتدُ عليه وبأنها.. عليه سلامنا ورضى الرحمن.. ستكسبُ أجرًا تأخذهُ منه وممن صدّقه.. وتكسب منّا دعواتٍ ورحمات.. 
"لا تحسبوه شرًا" .. 

ولم يعلمِ الحاقدون.. أن القرآن سيظلُّ محفوظًا في صدورنا.. وبأننا سنمسكُ به أكثر كلما حاولوا من غيظهم قتله.. 

ربـــاه.. 
ألهذه الدرجة يحملون هذا الكم من الكره والحقد في صدورهم؟ 
لا أدري متى ستنفجرُ أوداجهم.. لكني أشفق على قلوبهم التي حصرت كرهًا وغيظًا 
دون أن أفكر بمقارنتها بصدور قد امتلأت رضىً وطمأنينة.. وأمرنا فيه كل الخير.. إن كان شرًا صبرنا.. وإن كان خيرًا شكرنا..

لكم يفتقدون للطمأنينة..
طمأنينة إغماض الجفن ونحن على يقينٍ بأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا.. وما أصابنا لم يكن ليخطئنا.. 

ولكن.. 
أما آن وقت دحر الذل عنّا؟ 
ليس بأن نشتمهم بالمقابل.. وإنما.. 

بالحكمة والموعظة الحسنة..
وليكن لنا المصطفى.. الأسوة الحسنة.. 

وبكل طمأنينة سنظل نردد.. 
الحمدُ الله، بل أكثرهم لا يعلمون.. 

الاثنين، 5 يوليو 2010

صفحة من مذكرة الشتاء ..~



بالرغم من عدم التفاتي لشيءٍ وأنا أُجدف قاربي الصغير في بحر كتابٍ أجاد صاحبهُ الطلاسم جدًا 
مابين الـ "happens after" وفهم الـ "clock vectors"
اخترق سكون غرفتي إلا من ضجيج صوتي بترديد كل كلمةٍ في الكتاب لئلا يتشتت تفكيري، صوت طرقٍ داعب نافذتي بوداعة..
وفقتُ عند جملة دون أن أدركْ أنها المرّة العاشرة التي أُرددها وأنا مبعثرة التفكير بما يحدثُ خلفَ نافذتي

فمزقتُ رتابة عالمي الدراسي بوقفة على عُجالة مني.. وصفعتُ أستاري مسرعةً أفقأ من عينيّ غرفتي الظلمة الخفيفة ليخترقها شعاعٌ خافت..  

 فوجدتُ نافذتي الزجاجية وقد ارتسمت بلوحةٍ عشوائية، ريشتها رياحٌ سَيرّت قطرات عذبة أهدتها صفحةُ السماء،
خطوطًا عرجاءٌ ترتسمُ للأسفل لتأخذ معها ذراتِ غبارٍ تصادقت على صفيحتها الصلبة تُبدّل ملامح لونها قليلًا،
فارتسمت حين طرقت سطحها قطراتُ السماء برقّة وانحنت مسرعةً للأسفل تستجيبُ لصرخات جاذبيةٍ اشتاقتها ليغيض حبر الخطوط بين حنايا أرضٍ طيبةٍ إلى حيثُ قدرٍ معلوم..

تناسيتُ حينها أُحجيات الكاتب وبهدوءٍ صرتُ أنظرُ بجميع الاتجاهات، أحاول أن أحفظ صورةً للوحة نافذتي التي تتبدّلُ لحظيًا، لكأنّها تُخبرني أنّها نادرةُ الوجود، فمن الصعب أن أحفظ لها شكلًا أو رسمًا.. ولهذا السبب تحديدًا ستمكث بين حنايا روحي أبدًا..
لوحتي تلك، بابيضاضها المُكدّرِ من أثر صفيحة السماء الممدودة، تراكمت عليها أبخرةُ أنفاسيَ الشفافة لتحجب الرؤيةَ عني لحظات
خربشتُ على لوحتي من سطحها الداخليّ حروفًا أكثر انتظامًا من خطوط لوحتي السحرية
وتساءلتُ في نفسي، كيف حصلتُ على لوحةٍ أبطالها قطرات، وأنفاسٌ وسماءٌ بلا لون!

أيقظتني من لحظات شرودي صفحةٌ أكثر ابيضاضًا، صفحةٌ ملطّخةٌ بخطوطٍ سوداء ارتسمت بشكل هندسيٍ بديع، تجد بها ما أردتَ من الأشكال المتناظرة والمتعاكسة والمتماثلة أحيانًا..
طفقت أنظرُ اللوحتين بحيرةٍ ناجتني دونما حديثٍ أن أختار بينهما
وما بين تردد البصر هنا وهناك بإشفاق، آثرتُ العودة لتلك المنتظمة لأجل التزامٍ بمصيرٍ محتوم يتحددُ في الغد
وتقييمٌ يزداد كلما تذكرتُ عددًا أكبر من خطوطها المنتظمة

أغلقتُ أستاري بهدوء كأنّما أودعُّ لوحتي الفريدة للأبد
وعدتُ أثيرُ الغُرفةَ ضجيجًا أقرأ اللوحة الأخرى

..~

الجمعة، 2 يوليو 2010

لحظات وداعٍ حقيقية .. وابتسمــت!



وبسمَ المُحيّا ينظرُ للسماء
كان أبناؤها اليتامى وقد أصبحوا رجالًا من حولها لم يتركوها طيلة الأشهر الماضية
أهلها هنا.. أحباؤها

نظرت إليهنّ والورمُ قد زاد وزنها أضعافًا
تضاحكت.. تضاحكت.. أنا راحلة، الوداع يا أحبائي..
"مخاطركن يا حبايب"
مضت ساعات وهي على هذه الحال..
والشهادة لم ترحل عن لسانها
حتى فارقتها الحياة.. لحياةٍ أفضل

سكن الجسد.. ووقف اللسان.. وسبابتها بوضعية الشهادة تجاه السماء

:

كُلّما مررتُ من أمام منزلهم.. أجدُ ابنها المُقعد جالسًا أمام البيت
يتأمل المارين في الطريق
تغشاه السكينة.. تملؤه الابتسامة

لكأنها ذاتُ ابتسامة والدته في لحظات الوادع 

لحظات وداعٍ حقيقية .. أمــــل!



مَضَتْ أشهرٌ تسعة وأملٌ تحملُ بين الأحشاء وهنًا على وهنٍ طفلها
كان متلفهةً جدًا للقاء، والإمساكُ بتلك الأيدي الصغيرة
تحسبُ الأيام بفرح
وتتخيرُ ألوان الملابس أجمعها لأجل صغيرها القادم

وبعد لحظات المعاناة من الوضع

لم تسمعْ أملٌ لطفلها صوتًا
حملتهُ الممرضةُ بين أيديها بحرص
وأبعدتهُ عن أُمه بصمت.. بمعالم وجهها التي تغيّرت.. ولم تنبس ببنت شفة

كانت أملٌ تعلم أنّ فرصته في النجاة ضعيفة
لكنّها ظلت تتمسك بالقوة لأجل أن يأتي
حملت معها للمشفى ملابسه الصغيرة، تتعلقُّ بشظايا الأمل أنّه عائد للبيت معها

لكنها علمت لحظتها أن ذلك لن يكون
رجت الممرضة أن تراه، أن تلقاه ولو مرّة
لم تدرك الممرضة ما تفعلْ، وضعته أمامها لبرهة ثم غادرت مسرعة
سلّمته لمسؤول النقل إلى حافظة الموتى
بكتْ مُطولًا قبل أن تتمكن من العودة إلى الغرفة 


طفلٌ آخر.. ودّعته أملٌ اليوم 

لحظات وداعٍ حقيقية .. وعدٌ بالعودة!


لم تستطع كفكفة الدموع الحلوة من عينيها وهي ترى ابنتها تختلج حياءً بثوبها الأبيض
وتجترُّ معها أكاليل الفرح والسعادة

كانت تنظرها وهي تتماهى حسنًا بسعادة وانبهار
وأعينها تُسمي الله بغبطةٍ لا حصر لها

لكنها كانت تبكي حرقة وداع ابنتها في الغد
لحياةٍ جديدة غير حياتها بين أحضان والدتها وصديقتها التي عاشتها طيلة العشرين عامًا ونيفٍ الماضية..

احتضنت ابنتها بدفىء ..
وعدت الفتاة أُمها بالعودة عمّا قريب، فهي لن تُطيق عن أُمها صبرًا 
ومع امتزاج تلك اللحظة بالدموع.. وافتراق الأيدي عن بعضها

لم تدرك أيًا منهما أن تلك هي المرة الأخيرة التي تمسكان بها بأيدي بعضهما البعض
ولم تعلما أن إحداهما لن ترى تلؤلؤ عينيّ الأخرى مغرورقة بالدموع مرةً أخرى 

لحظات وداعٍ حقيقية .. امتحان قادم!



التقى الصديقان بعد أشهرٍ من الغياب
فقد ذهب كلٌ منهما إلى جامعة مغايرة
لكنّ الودّ كان بينهما محفوظًا
كان هناك الكثير ليتحدثا عنه
سُرَّا باللقاء جدًا
ومضيا يسيران طويلًا وهما يتحدّثان عن كل ما مرّا به في الأشهر المنصرمة

لا زال يذكُرُ.. أنّ أحمدًا أطال الحديث عن الدراسة
وأنّه يأمل أن يؤدي جيدًا في الامتحانات القادمة، وأن تكون سهلة وجيدة

بعد أسبوعٍ من اللقاء.. امتلأت الصُحف بأخبار أحمد الذي مات غريقًا مع عائلته بمياه السيول الجارفة

كان يُمسك بقصاصة الصحيفة التي تحوي خبر صديقه
كان يدرسُ للامتحانات القادمة
الامتحانات التي كان أحمد يأمل أن يؤديها جيدًا
الامتحانات التي لن يؤدّيها أحمد أبدًا

امتلأ قلبه بغصةٍ حارقة
وضعَ القصاصة بين أرواق دفتره
وعاد إلى الصفحة التي لا يزال يقرؤها منذ الصباح 

لحظات وداعٍ حقيقية .. لقاءُ الوداع!



اعتادت سلمى على الانتقال من بلدةٍ لأخرى
فكانت كُلَّما اعتادت الحياة في المدرسة الجديدة وأحبتها
وكوّنت صداقات جديدة
حان موعد انتقالها مع أهلها لمدينةٍ أخرى
عشرات المدارس عرفَتها، والبعض منها لم تمكث بها إلا بضعة أشهر

لا تزالُ تذكر تلك اللحظات الأخيرة وهي تمسكُ بأيدي صديقتها
ذاك الإهداء اللطيف الذي لا تزال تحتفظ به في درجها رغم مرور سنواتٍ عديدةٍ عليه
والعهد بالحفاظ على محبة القلوب مهما فرّقتهما الأيام

وشاءت إرادة الله أن تعود سلمى بعد سنوات لذات المدينة التي أحبّتها
كانت سعيدةً جدًا ومتلهفة للقاء الجميع
كانت تذكر كل شخصٍ في هذه المدينة، كلّ ذكرى.. والعهد الذي جمعها بصديقتها تلك..
لم تسَع الدنيا سلمى من الفرحة وهي تعلمُ أنّها ستلتقيها أخيرًا

بعد مرور أيام.. التقت العينانُ
قالت سلمى وهي تندفعُ بحماس: "أخيــرًا، لقد مرّ وقتٌ طويل"..
نظرت إليها الأخرى باستغراب دون أن تجاوب بالمصافحة وقالت أهلًا، أشاحت بنظرها للوجهة الأخرى وأكملت مسيرها بهدوء
أطبقت سلمى يدها
وعلمت أن الوداع الأول كان عهدًا باللقاء
وأن اللقاء الذي لطالما انتظرته.. كان الوداع الحقيقي

الخميس، 13 مايو 2010

{{ حكايا من النسيـــان..



مَضتْ سنين تُحيِّرُني التساؤلات..
تتلفتُ فيَّ.. ذات اليمين.. والشمال ذات..
إنَّ حبيبًا لقلبي قد مــات..

وفي عمق البئر..
كان ضغط الماء عالٍ..
يطبقُ على أُذُنيَّ.. ويُدمي بداخلي الصرخات..

صرخاتٌ كانت بالأمس وامعتصماااه..
وصارت اليومَ واإسلامااه..

بالأمس.. كانت رجلاً.. بالأمس كانت استجابة..
واليوم استنجادُ أُمةٍ صمَّاء.. فقدت عزًا ومهابة..

..~

أذكُرُ أنّي كنتُ أقطف الوردَ..
أُداعبُ الأرضَ..
أُراقصُ الشمسَ..

وأعدو حُرةً في مساحات واسعة..
أسابقُ الأرنب.. أُطاردُ الفراشة..

وأذكر أرضنا الحمراء.. وقد ارتدت ثوبها الذهبي..
تُخايلُ الحسناء..
تتماهى بغرور.. تتباسمُ بحياء..

أُمّاه..
كان القمح يكفي كُلَّ من في القرية..
والزيتون.. والرمّان..

وموسمُ الحصاد.. يتآزر الجميع..
حُفاة.. نصادقُ الأرض..
نُصاحبُ الأرض..

أُمّاه..
كانت هناك زهرة، وفرحة، ووردة..
قُتلت زهرة..
تناثرت أشلاءُ فرحة..
واغتُصبت وردة..

أُمّاه..
لماذا أفقدُ الصديق على إثر الصديق؟
لماذا أصحو على صوت الانفجارات بدلاً من صوتك؟
لماذا أتوسدُ الأرضية بلا غطاء..
أُصادق الجوع كُلّ يوم..
أوراق الخريف.. وبردُ الشتاء..

لماذا دُمّرت مدرستي؟
واحترقت ألعابي؟
وانمحست من الوجود غُرفتي؟

أُمّاه..
كان لديّ في فناء المنزل.. أرنبٌ أبيض..
عصافير تملأ الأشجار..
وهرّةٌ تلعب..
أُمّاه..
لم يعُد لديّ بيتٌ.. ولا هرٌ.. ولا أرنب!

وقصتي أُمّاه..
صارت حكايةً تُروى..
لتاريخٍ هزيل..
لعالمٍ ذليل..
ما قبل النوم.. ما بعد النوم.. وأثناء النوم..

قصّة تمرُّ.. عنوانها صغير.. على هامش الغلاف..
وأما الغلاف..
فصورةٌ كبيرة.. لمغنٍ حقير..
وتعليقٌ سخيف.. محدود التفكير..

سمسارٌ عظيم..
تاجرُ سلعة..
وعطرٌ نفيس..

وبداخل الغلاف..
تُقلّبُ الصفحات..
وبينها.. تضيعُ قصّتي..
يملّها القُراء..
يتجاهلها النُقاد..
وترتمي بيد بائع متجول.. يشوي الذرة.. ويُلقيني في الطرقات..

أنا الحق المسلوب..
أنا المجدُ الضائع..

أنا بغداد..
أنا الأقصى.. أنا بيسان..
أنا كابول أفغانستان..

غبارٌ من رُكام النسيان..
وكان.. وكان...

السبت، 27 مارس 2010

رياحٌ من الماضي - ثلاثُ جدّاتٍ وخــالة -

فأنا لم أكن كبقية الأولاد..
فقد كان لديّ.. "ثلاثُ جدّات"..
جدتي الثالثة.. كانت الزوجة الثانية لجدي.. والتي كانت أرملةُ أخيه..
وقد استلوى عليها جدّي بعد وفاة أخيه حتى لا يخرج ميراث العائلة.. للغريب.. خصوصًا أنّ أخاه لم يكن لديه أولاد.
لم أكن أعرف قصتها وأنا صغيرة.. كل ما كنتُ أعرفه أني كنتُ أُناديها "جدّتي".. لأن علامات التقدم بالسن كانت باديةً عليها.. ولأنها كانت كما جدتيّ الحقيقيتان.. ترتدي ثوبًا أسودًا.. و "شمبر" يُزينهُ شالٌ ملون تعصبُ به رأسها..
لستُ أذكرُ منها الآن إلا صوتُ معزوفتها الفريدة وهي تطحن الهيل باستخدام "المهباش" الخشبي، الاستقراطي الشكل، فقد كان قطعة نفيسة في تلك الأيام.. واليوم هو قطعة نادرة وتراث..
كان صوت طرقها به فريدًا جدًا.. فقد كانت تستخدمه بمهارةٍ عالية.. لتضع ما تطحنه به ليغلي مع القهوة لتفوح رائحة لم يُخفها الزمن من أعماقي إلى الآن..
ولأني.. لم أسمع بعدها صوته مجددًا أبدًا.. ولأن "مهباشها" أصبح الآن قطعةً أثرية تضعُها زوجة جدي الثالثة في بيتها، بعد أن رحلت جدّتاي..
زوجة جدي هذه أُناديها بالخالة.. لأني لم أشعُر معها بذرة حنانٍ يومًا.. بالرغم من أنّ دموعها كانت تفيضُ فيضًا كلما سافرتُ للخارج.. لكني لم أستشعر يومًا حرارة حقيقة من دموعها..
قيل لي أن جدّتي غير الحقيقية والتي كانت تُناديني "زوزان" طلبت رؤيتي في أواخر أيامها في المستشفى.. ولكن لم يتأتى لي رؤيتها أبدًا..


أما جدّتي لوالدتي.. فقد كانت مصدرُ حنانٍ لا ينضب.. لدرجة أن الذهاب إليها كان أفضل مكانٍ أذهبُ إليه..
ففي كل إجازةٍ ولدى عودتنا للبلدة.. كنتُ أصرُّ على أهلي بالمبيت عندها.. وكنتُ أطالب أمي بالنقود للذهاب لدكان العم العجوز الذي نسيتُ اسمه..
وكنتُ أعلم في كل مرة.. أنّ جدتي من ستعطيني النقود.. =)
أذكُر أني استيقظتُ ذات يومٍ على أهزوجة النجّار "مصباح" الذي كان صوتُ منجرته تطربُ "الحارة" بأكملها..
ولا يزالُ والدي مصرًا إلى الآن أن قطعه هي الأفضل على الإطلاق..
كانت جدّتي وقتها تُحمصُّ بنّ القهوة العربية باستخدام "المحماسة" والتي عرفتُ اسمها منذُ قريب.. فقد كنتُ طيلة الوقت أُسميها بالملعقة الكبيرة..
كانت تُحمصُها على لهب "الببور" قبل أن تقوم بطحنها.. رائحة البُن كانت لذيذة جدًا.. وصوت "المحماسة" لا يزالُ يتردد في أّذني لكأنه الآن..


أما جدّتي لوالدي والتي كانت تُدعى "عيشة"..
لا أدري أيُّ عيشةٍ تلك التي عاشتها مع جدي.. فلم يعرفها أحدٌّ إلا وجزم أن حياتها كانت نكدًا.. وبأنها عانت الأمرين مع جدي..
كانت جدّتي بذات ثوبٍ قماشيٍ أسود ترتديه دومًا.. وحين تتزيّن.. كانت ترتدي ثوبًا مخمليًا أسودًا.. مع شالٍ مطرزٍ بعناية فائقة.. ومهارة عالية..
تفوح من الأعماق ذكرى ذلك اليوم الذي طلبت مني به أن أُساعدها، وقتها لم أُردْ النهوض عن برنامجي المفضّل.. فكانت كُلّما أطفأت التلفاز.. أعدتُ تشغيله.. وكأني أتشاجرُ مع أحد إخوتي.. إلى أن قامت بفصل الكهرباء حتى أقوم عُنوة.. أذكرُ أنّها تعاونت مع أخي ضدي.. وأذكر أنه كانت لأخي مساحة كبيرة ملأت قلبها حُبًا.. لأن الأخير.. كان حنونًا جدًا.. رغم أنّه كان يصغرني..
لا زلتُ أذكرها تُلقمُ أخي ذو الأشهر ثديها حتى تُسكته في غياب أمي.. لا أعلمُ إن جرى الحليب في عروقها.. لكني أذكُرُ يقينًا أن أخي كان ينام في حضنها بعد وقتٍ قصير..
لكنّ شظف العيش الذي مرّت به جدّتي.. وهموم الأزمان.. والنوم في حديقة المنزل.. لم يمنع جدّتي من التشنج مرارًا أثناء ذهابها لمنزل جارتها الذي كان متنفسها..
ولم يمنعها من المعاناة في المشفى شهورًا.. أذكرُ أنّها لم تعرفني حين زُرتها في المستشفى.. بل وقتها لم تكن تقدر على الكلام إلا رمزًا..
لكنّ بالرغم من كل ما مرّت به.. لم يمنع عمي الكبير من البكاء كالأطفال عندما رحلت..
ولم يمنع والدي من الهذيان بعد أعوامٍ من رحيلها.. "آآآآه يا يمّا.. وينك يمّا" .. حين أصابه عارض منذُ مدّة..
ولم يمنع ذكراها الطيبة التي تفوحُ كما المسكُ في كل مكان..


رحمهنّ الله جميعًا.. وأدام الخالة لجدّي..

الأحد، 21 مارس 2010

حــبًا.. يحتويني.. ~



دعــني أُبح لك بسري..
فإني لأُناظر الدقائق شوقًا للقائك..

وإني لأغفو على هدير صوتك.. يُلاطفني..
يُداعبني.. يُسعدُني..
ويُنسيني..

آلام يومٍ مرّ..
ونقوش دهرٍ على مجرى شراييني..

وتمزق من أوراق كتابي..
صفحات كانت تُدميني..

ذكراها..
تُشيعُ بين أرجائي أليمَ ذكرى..
ما استطاعت دفنَها سنيني..

تعــال..
فإني لأرنو للقاء وجه..
تفاصيله رقة..
وخطوطه سمحه..
تأسرني.. تُقيدنُي.. وتقتادني إليك..
لتكونَ حضنًا يؤويني..

تعـــال..
فإن تقادم عهدُك بين أطرافي..
صرتُ ملكة لقصري..
حبُّك أعمدته..
يداك جُدرانه..
حضنُك سقفه..
وقلبُك.. تاجًا على رأسي.. يُزيننُي..
يملأني بغرور أُنثى..
وينثُر في الحنايا فرحًا.. يعتريني..

تعــال..
فإني أخطُّ الأوراق تترى..
فرحًا.. حبًا وعشقًا..
لأنك..
أرحتَ من القلب غصّة..
ومن المقُل.. ثقلُ دمعة..
ومن ماضيّ قتلتَ خيالاتٍ كانت تُضنيني..

تعــال ضاحكني..
وابسم لحمق تصرفاتي.. انزلاق حروفي.. وبعثرتي في ترتيب جُملي..
وعلّق بين أحضانك..
صور طفولتي..
ورقة أنوثتي..
وابقَ قربي.. لشيخوخةٍ تنـتـظرني..
لن تكون معك.. في ذكرى
كل ميلادٍ لي همًّا يسقيني..

تعـــال واملأني بك..
واملأني منك..
واملأني فيك..
وابقَ بقربي ما بقيـنا..
يا ميلاد قلبي..
ورقص مشاعري..
وحُبًا يحملُني.. ويحتويني.. 

..~

الجمعة، 19 مارس 2010

ففي عينها قطرات..!

 
تأتي الأقدار أدمعًا..
وضحكات..
 
بينها.. نكونُ نحن.. تكونُ الحياة..

لم تكن تتوقعُ الكثير.. لم تكن تتطلع إليه أصلاً..
لكن صفعاتها تلك.. احدثت ارتجاجًا في أقصى المشاعر..

رباه..
خمس سنوات..
أكانت كذبة..
أم سذاجة فتاة..!

كانت على النفس صدمة..
على القلب رجفة..
على الأنفاس شتات..

حاولتْ بنزفٍ تركيب قطع اللغز في رأسها..
لم تعُدْ إلا خائبة..
أكان كل شيء سرابًا.. بضعُ أساطير قرأتْها..
وأقوال خرافات؟؟

ايهٍ لكِ من تساؤلات..

تتدفقين برأسها الحائر ذات اليمين.. والشمالِ ذات..

تدفقي تدفقي.. لا تخشيْ..
فلصبرٍ لديها قد نفَد.. فلصبرٍ صرخات..

صرخات..

لأيــدِ سئمت الصفح..
وضحكات على مضض..
وتشبث بأستار ماضٍ مات!

لم تدرك الفتاة..
أن أقنعةً.. عقب سنين خمسةٍ سقطت..
قد حالت في روحها آلامًا..
وفي الأعيُن بضعُ..
قطرات..
..~

الاثنين، 1 مارس 2010

عالمٌ انترنتي..!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لم أدرك حقيقة وأنا أسجل في المنتديات أن ما أسطره بها.. 
بعد ثانيةٍ لن يكون ملكي.. 

في السابق.. 
كان اجتذاب عدد الردود في المنتدى "الفلاني" والآخر "العلاني" أكثر ما يهمني.. 
"يا سلااااام، ردٌ آخر!"، بالرغم من أن كل حرف يكون وليدًا من قلوبنا.. ولكن لسببٍ ما.. تعشقُ الأذن البشرية الإطراء، أو رأي الآخرين، لذا كان نشرها، لأجل أن يعطونا ما يعتقدون بها.. 

ويومًا لم ألقي بالاً لشيء يُسمى حقوق الطبع النشر.. وما إلى ذلك.. كان همي أن يروا نتاج نزف قلم من دم قلب، أو تراقصه مع ترانيم سعادة.. أو حالات متضادة.. لا بدّ أن نمرَّ بها..

يا إلهي.. 
لم أفكر حتى بهذه التدوينة إلا منذ أشهر قليلة.. 

بعد فلسفات الصمت.. أردتُ يومًا تجربة حظي.. 
هل تتطاير الحروف التي أكتبها عبر الأثير.. 
فكان نسخًا في "google" الذي نحبه لبعض حروف.. 
هناك كانت صدمة نقل حروفنا.. ليشكرهم الآخرين على ما كتبوا.. 
لدرجة أني شككتُ في نفسي.. "رباه أكانت أنا من كتبها حقًا؟؟"
شكرًا للخربشات اللطيفة على الأوراق.. وبعضًا من المحاولات التي وصلت لصديقتي التي أكّدت لي أن: "نعم يا سوزان، كان أنتِ من كتبها".. 

أكثر ما استغربته كان التوقيت.. الذي كان بعد بضع ساعاتٍ من وضعها في ذاك الملتقى الذي أعشق، والذي يحرم النقل.. 
لذا لم أدرك لعقليتي الساذجة أن هناك من يتعطشون أحرفًا تكون لهم.. 
حتى وإن كانت.. مسروقة!

تلك المرة.. أردت أن أدافع نفسي.. 
لاحقًا أدركت أني لن أتمكن من مطاردة الفلول أجمعها!

على أي حال، أجزمُ أني أخذتُ نصيبًا جيدًا من التوبيخ من قبل أستاذي.. الذي نبّهني للأمر مرارًا.. ! 
أجزم أني شعرتُ بالغيرة ممن يشكرهم الآخرين على ما كتبته.. لأسلمه لهم هديّة..
أجزم أني أنتظرُ أمرًا يحدث حتى أضع  اسمي في التدوينة.. لكن حتى يُقضى أمرٌ.. أسأل الله أن يكون مفعولاً..
أجزمُ أني شعرتُ بالسعادة حين رأيتها تتبعثر في الأثير في أرجاءٍ عدة.. 
وحينها.. 
حرصٌ على عدم كتابة ما أندمُ عليه يومًا.. بإذن الله.. 

حقًا كان مجرد لهو أردت أن أعرف نتائجه حين بدأتُ البحث..

وتساؤل.. 
أنواصل لمنتدىً عرّفنا بأشخاصٍ رائعين بالعطاء؟ 
أم نتوقف لأجل تسمية الحقوق؟؟؟ 

بالمناسبة.. لأجل هذه الحقوق عليّ أن أذكر أن جميع الصور في التدوينة لم تكن ملكي.. -عدا واحدة في موضوع آخر- حتى هذه بالأعلى، ليست ملكي، إنما أخذتها من مكانٍ ما! 
وهنا لا أدري.. أستأذنُ في وضع الصور ممن؟ أم أضعها .. والسلام؟؟

قد نقدر على الحلول الذكية.. كأن نحفظها لأنفسها أولاً.. 
من ثمَّ ننشرها.. 
لستُ أدري.. فهل للمارين من حلول أو آراء؟؟ 

في النهاية.. 
لأرواحكم منّا أطيبُ تحيةٍ.. وسلام.. 

الجمعة، 26 فبراير 2010

انتصارات أنثى .. [[ وداعًا دون عذرًا ]] .. ~



ألا عذرًا..
فقد مزّقتُ من صفحات تقويمي.. مواعيد لقائك.. 
ومحوتُ من جدران قلبي.. بقايا آثارك.. 
 وودّعتُ من محطات انتظاري.. سككُ قِطارك.. 

 ألا عذرًا.. 
فلستَ النجوم تُزينُ سمائي.. 
ولا قطرات المطر تُحيي أرضي.. 
ولست سُفنًا ترتسمُ على مينائي..
ولا فراشات حديقتي.. التي أتراقصُ معها..
منثورة الشعر.. حافية القدمين..

ألا عذرًا..
فلستُ تلك الطفلة.. تبكي دميتها..
ولستُ أنتظرُ يديك.. تمسحُ الدمعة.. تصلحُ الدمية..
فإن انكسرت دميتي..
ألقيتها.. بلا التفاتٍ..
لأقتني غيرها..
بفستانها الجديد.. الغير ممتلىء بآثار شراب الكاكاو.. الذي كُنتَ تُعدُه..

ألا عذرًا..
فماضيك.. مضى الآن..
لستُ أحنُّ ذكريات الصبا.. وشغبُ الطفولة..
لن أبكيَ رائحة الأحباب.. 
لستُ انكساراتٍ هشّة.. تُدميها.. شروخاتٍ طفيفة..

ألا عذرًا..
فصوري المعلقة على جدارني..
ليست تحوي طيفك البالي..
لأنها الآن.. تحوي.. تحويني..
ابتساماتُك الكاذبة.. اختفت للأبد..
وبعد اليوم.. لن تُبكيني..

ألا عذرًا..
فقد أنختُ مطاياي.. بأرض النسيان..
وذكراك بما حملَت.. ألقيتها..
قصة تهاوت في محرقة..
لم تفُح رائحة الألم.. وإنما..
ملأ المكان.. ريحُ انتصاري..

لأني..
لم أعُد.. متعثرة الخطوة..
أسقط كُلما ارتفعتُ درجةً أُخرى..
فبعد اليوم.. لن تُكسرُ.. قدمُ الطفلة..

ولأنك..
لستَ عكازها بعد اليوم..
لستَ فرحًا على صفحاتها..
ولا منديلاً يمسحُ دموعها.. 
لست وفيًا لأحلامها..
ولا غادرًا.. فطرَ قلبها..
 
لأنك..
لستَ سوى.. لا شيء..
في مقصلةٍ حادّة..
كان حكُم الإعدام.. 
فقصةٌ أنت كُنت..
وانتهيت..

فلا منك..
عذرًا.. 


..~

الاثنين، 15 فبراير 2010

اضطرابــات أنثى .. [[ رحـيــل ]] .. ~




مللتُ الأرجاء في الغرفة..
كل شيءٍ يُذكرني بذات الشيء..
وتُطبق في القلب غُصّةٌ أنّ كل شيء.. حال لا شيء..

كلُّ حيزٍ يملأ في القلب ذكرى..
أغلقُ هاتفي.. أُبعده عن ناظري..
كم كنتُ بالأمس أترقبهُ.. وأنظرهُ آلاف المرات..

على غير عُجالة.. أقرر الخروج..
لأنظر..
هل تغيّر مدخلُ البيت..
هل أزهر الربيع..

أفتحُ خزانة ملابسي..
رائحة الخشب.. اختلطت بريحك..
وكل لونٍ من ملابسي.. ينبه في الأحشاء ذكرى..
ذكرى.. معك..
أنهال عليها كالمجنونة..
أجترُها بقوة..
أُلقيها أرضًا.. أدوسُها..
فلستُ أريدها..
لستُ أريدها.. تذكرني بك..

فطنتُ لما اشتريته بالأمس..
لكم يقولون أن الملابس.. الأحذية.. والشوكولا..
خير صديقٍ للمرأة..
أرتديها.. وأشعرُ نفسي شخصًا آخر..
بلونٍ آخر..

وهناك..
حيثُ مرآتي.. تصطفُ بترتيبٍ مبالغٍ عطوراتي..
ألمحُ عطري المفضل..
برقةٍ أفتحُ غطاءه..
لم يكن المفضل لديّ لأني أحبُّ رائحته..
بل كان المفضلّ لأنك من كان يفضلهُ!!

أنهال على قواريريها ذات اليمين.. ذات الشمال..
تسقط أرضًا.. تتهشم..
وتنسفح منها رائحة غريبة.. تمتزج معًا..
وعلى خشب أثاثي..
تفوح ريحها.. لتشعل ذكراك التي لم تخبو..
تعلق بها زمنًا.. 

"كم من الوقت تحتاجُ لتزول.."
كم من الوقت ستظلُّ تدميني..
أهذه محاولاتي العاثرة في النسيان؟؟

عندها أيقنت.. مشروعية الرحيل..
عندما نرغبُ بالنسيان..

كذبوا حين قالوا الرحيل ليس بالحل..
لأجل النسيان..
يتوجب الرحيل..

ومعه.. 

لن نحمل شيئًا معنا..
أبدًا..

..~

اضطرابــات أنثى .. [[ إدمـــان ]] .. ~


  
حيثُ تضربُ البرودة بقوةٍ في الخارج..
أجلسُ قرب مدفأتي..  

أُلقي بها الأخشاب..
أُطفئُ الأنوار.. وأظلُّ معها..
حتى تُضاء جنبات الغرفة بلون الدماء.. 

 
أقربُ صندوق الشوكولا بلونه البني المحروق.. وسطحه اللامع..
أتناولُ القطعة تلو الأخرى..
أتناسى تأنيب ضميري..
ونصائح من تدّعي الفهم في التلفاز..
"كلن أيها النساء ولا تأكلن"

 
أفتحُ أوراقها الفاخرة..
أمسكُها أمام مدفأتي حتى تبدأُ بالذوبان..
يذوبُ معها قلبي شوقًا إليك..
أتناولها بصمت مطبق..
وأُمسك الصندوق أُخرى..

"لن يوقفني أحدٌ هذه المرة..
لن يُبعد أحدٌ الصندوق عني.."

أستمر بتذويبها.. وتناولها.. حتى تنفذ..
وعندها.. 

كطفلٍ مدللٍ أسخَط..   
وأُلقي الصندوق أرضًا..
أبكي مطوّلاً..
حتى أغفو..
 

حين أستيقظ..
أجد الرماد ملأ المدفأة..
وشالي الصوفيُّ ملقىً على الأرض..
وأوراق الشوكولا.. ملأت الأرضية الزجاجية..
 

لست قربي لتُبعد صندوق الشوكولا.. 
لست قربي لتبقي المدفأة مشتعلة.. 
لست هُنا.. لتغطيني بالشالِ حين أغفو.. 

وحدي.. وصندوقُ فارغ.. ورائحة رماد..


وإدمــــان..

..~

الجمعة، 15 يناير 2010

ألــمٌ .. أيُّ تراتــيل ؟!!

أيُّ تراتيل ..

أولئك الذين ينبشون من عميق مشاعرنا .. ما في النسيان طمرناه ..
أولئك الذين يبعثون من الموت فينا .. ما بأحشائنا دفنّـاه ..

لأجل الدفن ..
مررنا بالكثير .. استغرقنا الكثير .. تجرعنا مرارة الكثير ..

لأنّهُ كان ...

وأدُ ما أحببناهُ بدموع من دمٍ تنهار ..

وتمتمات ألمٍ أيُّ تراتيل ..


أقنعنا أنفسنا بانتهاء بنائنا ..
وشيَّدنا صروحًا حسبناها قويّة ..
واصطنعنا ابتسامةً صفراء ..
يُسرُّ لرؤيتها من حولنا .. وتكفيهم ..
تجاهلوا .. تناسوا .. وغضوا الطرف عن داخلنا ..
خواء ..

أكملنا المسير ..
على عتبات طُرقٍ غريبة ..
ذاتُ تعرجاتٍ حمقاء ..
تجعلنا ننتهِ من حيثُ انطلقنا ..

وهناك ..
مجرد مصادفتهم أُخرى ..
مجرد المرور بقربهم ..

مجرد رؤيتهم ..
تارةً .. أُخرى .. 


مجرد ..
مجرد ...

انهارت جبالُ النسيان التي كدّسناها ..
تهاوت صروحُنا المزيّفة ..

بزغَت مشاعرنا بأكملها ..
من جديد ..
لكأنها لم تختفِ يومًا ..
لكأنها ..
طفلٌ وليد ...


بهذه البساطة ..
أهكذا ..

عاد كلُّ شيءٍ .. كأنه لم يرحل يومًا ..
كلُّ اختلاجٍ حملها داخلنا عاد ..
وتراكض الأحداث ..
صراخٌ ودموع ..
عاد ..

لكنَّ جميل الماضي .. لم يعُدْ ..

وضحكات الماضي .. لم تنظُر إلينا ..
تجاهلتنا ببرود .. وغابت عنا رَحلتْ ..

لم نحملْ على أطلال ما تكشّف من حصوننا ..
إلا الألم ..

ولم نرفع فوق قممها المتهاوية ..
إلا راياتُ الأحزان ...


وتمتماتٌ ألمٍ نُرددُها ..

أيُّ تراتيل ..