الاثنين، 5 يوليو 2010

صفحة من مذكرة الشتاء ..~



بالرغم من عدم التفاتي لشيءٍ وأنا أُجدف قاربي الصغير في بحر كتابٍ أجاد صاحبهُ الطلاسم جدًا 
مابين الـ "happens after" وفهم الـ "clock vectors"
اخترق سكون غرفتي إلا من ضجيج صوتي بترديد كل كلمةٍ في الكتاب لئلا يتشتت تفكيري، صوت طرقٍ داعب نافذتي بوداعة..
وفقتُ عند جملة دون أن أدركْ أنها المرّة العاشرة التي أُرددها وأنا مبعثرة التفكير بما يحدثُ خلفَ نافذتي

فمزقتُ رتابة عالمي الدراسي بوقفة على عُجالة مني.. وصفعتُ أستاري مسرعةً أفقأ من عينيّ غرفتي الظلمة الخفيفة ليخترقها شعاعٌ خافت..  

 فوجدتُ نافذتي الزجاجية وقد ارتسمت بلوحةٍ عشوائية، ريشتها رياحٌ سَيرّت قطرات عذبة أهدتها صفحةُ السماء،
خطوطًا عرجاءٌ ترتسمُ للأسفل لتأخذ معها ذراتِ غبارٍ تصادقت على صفيحتها الصلبة تُبدّل ملامح لونها قليلًا،
فارتسمت حين طرقت سطحها قطراتُ السماء برقّة وانحنت مسرعةً للأسفل تستجيبُ لصرخات جاذبيةٍ اشتاقتها ليغيض حبر الخطوط بين حنايا أرضٍ طيبةٍ إلى حيثُ قدرٍ معلوم..

تناسيتُ حينها أُحجيات الكاتب وبهدوءٍ صرتُ أنظرُ بجميع الاتجاهات، أحاول أن أحفظ صورةً للوحة نافذتي التي تتبدّلُ لحظيًا، لكأنّها تُخبرني أنّها نادرةُ الوجود، فمن الصعب أن أحفظ لها شكلًا أو رسمًا.. ولهذا السبب تحديدًا ستمكث بين حنايا روحي أبدًا..
لوحتي تلك، بابيضاضها المُكدّرِ من أثر صفيحة السماء الممدودة، تراكمت عليها أبخرةُ أنفاسيَ الشفافة لتحجب الرؤيةَ عني لحظات
خربشتُ على لوحتي من سطحها الداخليّ حروفًا أكثر انتظامًا من خطوط لوحتي السحرية
وتساءلتُ في نفسي، كيف حصلتُ على لوحةٍ أبطالها قطرات، وأنفاسٌ وسماءٌ بلا لون!

أيقظتني من لحظات شرودي صفحةٌ أكثر ابيضاضًا، صفحةٌ ملطّخةٌ بخطوطٍ سوداء ارتسمت بشكل هندسيٍ بديع، تجد بها ما أردتَ من الأشكال المتناظرة والمتعاكسة والمتماثلة أحيانًا..
طفقت أنظرُ اللوحتين بحيرةٍ ناجتني دونما حديثٍ أن أختار بينهما
وما بين تردد البصر هنا وهناك بإشفاق، آثرتُ العودة لتلك المنتظمة لأجل التزامٍ بمصيرٍ محتوم يتحددُ في الغد
وتقييمٌ يزداد كلما تذكرتُ عددًا أكبر من خطوطها المنتظمة

أغلقتُ أستاري بهدوء كأنّما أودعُّ لوحتي الفريدة للأبد
وعدتُ أثيرُ الغُرفةَ ضجيجًا أقرأ اللوحة الأخرى

..~

الجمعة، 2 يوليو 2010

لحظات وداعٍ حقيقية .. وابتسمــت!



وبسمَ المُحيّا ينظرُ للسماء
كان أبناؤها اليتامى وقد أصبحوا رجالًا من حولها لم يتركوها طيلة الأشهر الماضية
أهلها هنا.. أحباؤها

نظرت إليهنّ والورمُ قد زاد وزنها أضعافًا
تضاحكت.. تضاحكت.. أنا راحلة، الوداع يا أحبائي..
"مخاطركن يا حبايب"
مضت ساعات وهي على هذه الحال..
والشهادة لم ترحل عن لسانها
حتى فارقتها الحياة.. لحياةٍ أفضل

سكن الجسد.. ووقف اللسان.. وسبابتها بوضعية الشهادة تجاه السماء

:

كُلّما مررتُ من أمام منزلهم.. أجدُ ابنها المُقعد جالسًا أمام البيت
يتأمل المارين في الطريق
تغشاه السكينة.. تملؤه الابتسامة

لكأنها ذاتُ ابتسامة والدته في لحظات الوادع 

لحظات وداعٍ حقيقية .. أمــــل!



مَضَتْ أشهرٌ تسعة وأملٌ تحملُ بين الأحشاء وهنًا على وهنٍ طفلها
كان متلفهةً جدًا للقاء، والإمساكُ بتلك الأيدي الصغيرة
تحسبُ الأيام بفرح
وتتخيرُ ألوان الملابس أجمعها لأجل صغيرها القادم

وبعد لحظات المعاناة من الوضع

لم تسمعْ أملٌ لطفلها صوتًا
حملتهُ الممرضةُ بين أيديها بحرص
وأبعدتهُ عن أُمه بصمت.. بمعالم وجهها التي تغيّرت.. ولم تنبس ببنت شفة

كانت أملٌ تعلم أنّ فرصته في النجاة ضعيفة
لكنّها ظلت تتمسك بالقوة لأجل أن يأتي
حملت معها للمشفى ملابسه الصغيرة، تتعلقُّ بشظايا الأمل أنّه عائد للبيت معها

لكنها علمت لحظتها أن ذلك لن يكون
رجت الممرضة أن تراه، أن تلقاه ولو مرّة
لم تدرك الممرضة ما تفعلْ، وضعته أمامها لبرهة ثم غادرت مسرعة
سلّمته لمسؤول النقل إلى حافظة الموتى
بكتْ مُطولًا قبل أن تتمكن من العودة إلى الغرفة 


طفلٌ آخر.. ودّعته أملٌ اليوم 

لحظات وداعٍ حقيقية .. وعدٌ بالعودة!


لم تستطع كفكفة الدموع الحلوة من عينيها وهي ترى ابنتها تختلج حياءً بثوبها الأبيض
وتجترُّ معها أكاليل الفرح والسعادة

كانت تنظرها وهي تتماهى حسنًا بسعادة وانبهار
وأعينها تُسمي الله بغبطةٍ لا حصر لها

لكنها كانت تبكي حرقة وداع ابنتها في الغد
لحياةٍ جديدة غير حياتها بين أحضان والدتها وصديقتها التي عاشتها طيلة العشرين عامًا ونيفٍ الماضية..

احتضنت ابنتها بدفىء ..
وعدت الفتاة أُمها بالعودة عمّا قريب، فهي لن تُطيق عن أُمها صبرًا 
ومع امتزاج تلك اللحظة بالدموع.. وافتراق الأيدي عن بعضها

لم تدرك أيًا منهما أن تلك هي المرة الأخيرة التي تمسكان بها بأيدي بعضهما البعض
ولم تعلما أن إحداهما لن ترى تلؤلؤ عينيّ الأخرى مغرورقة بالدموع مرةً أخرى 

لحظات وداعٍ حقيقية .. امتحان قادم!



التقى الصديقان بعد أشهرٍ من الغياب
فقد ذهب كلٌ منهما إلى جامعة مغايرة
لكنّ الودّ كان بينهما محفوظًا
كان هناك الكثير ليتحدثا عنه
سُرَّا باللقاء جدًا
ومضيا يسيران طويلًا وهما يتحدّثان عن كل ما مرّا به في الأشهر المنصرمة

لا زال يذكُرُ.. أنّ أحمدًا أطال الحديث عن الدراسة
وأنّه يأمل أن يؤدي جيدًا في الامتحانات القادمة، وأن تكون سهلة وجيدة

بعد أسبوعٍ من اللقاء.. امتلأت الصُحف بأخبار أحمد الذي مات غريقًا مع عائلته بمياه السيول الجارفة

كان يُمسك بقصاصة الصحيفة التي تحوي خبر صديقه
كان يدرسُ للامتحانات القادمة
الامتحانات التي كان أحمد يأمل أن يؤديها جيدًا
الامتحانات التي لن يؤدّيها أحمد أبدًا

امتلأ قلبه بغصةٍ حارقة
وضعَ القصاصة بين أرواق دفتره
وعاد إلى الصفحة التي لا يزال يقرؤها منذ الصباح 

لحظات وداعٍ حقيقية .. لقاءُ الوداع!



اعتادت سلمى على الانتقال من بلدةٍ لأخرى
فكانت كُلَّما اعتادت الحياة في المدرسة الجديدة وأحبتها
وكوّنت صداقات جديدة
حان موعد انتقالها مع أهلها لمدينةٍ أخرى
عشرات المدارس عرفَتها، والبعض منها لم تمكث بها إلا بضعة أشهر

لا تزالُ تذكر تلك اللحظات الأخيرة وهي تمسكُ بأيدي صديقتها
ذاك الإهداء اللطيف الذي لا تزال تحتفظ به في درجها رغم مرور سنواتٍ عديدةٍ عليه
والعهد بالحفاظ على محبة القلوب مهما فرّقتهما الأيام

وشاءت إرادة الله أن تعود سلمى بعد سنوات لذات المدينة التي أحبّتها
كانت سعيدةً جدًا ومتلهفة للقاء الجميع
كانت تذكر كل شخصٍ في هذه المدينة، كلّ ذكرى.. والعهد الذي جمعها بصديقتها تلك..
لم تسَع الدنيا سلمى من الفرحة وهي تعلمُ أنّها ستلتقيها أخيرًا

بعد مرور أيام.. التقت العينانُ
قالت سلمى وهي تندفعُ بحماس: "أخيــرًا، لقد مرّ وقتٌ طويل"..
نظرت إليها الأخرى باستغراب دون أن تجاوب بالمصافحة وقالت أهلًا، أشاحت بنظرها للوجهة الأخرى وأكملت مسيرها بهدوء
أطبقت سلمى يدها
وعلمت أن الوداع الأول كان عهدًا باللقاء
وأن اللقاء الذي لطالما انتظرته.. كان الوداع الحقيقي